فصل: خلع السلطان على سودون القاضي باستقراره حاجب الحجاب بديار مصر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


وأخذ المؤيد في محاصرته واستدام الحرب بينهم أيامًا كثيرة في كل يوم حتى قتل من الطائفتين خلائق‏.‏

فلما طال الأمر في القتال أخذ أمر الأمير نوروز في إدبار وصار أمر الملك المؤيد في استظهار‏.‏

فلما وقع ذلك وطال القتال على النوروزية سئموا من القتال وشرعوا يسمعون نوروز الكلام الخشن‏.‏

وهدمت المؤيدية طارمة دمشق‏.‏

كل ذلك والقتال عمال في كل يوم ليلًا ونهارًا والرمي مستدام من القلعة بالمناجيق ومكاحل النفط‏.‏

وطال الأمر على الأمير نوروز حتى أرسل الأمير قمش إلى الملك المؤيد في طلب الصلح وترددت الرسل بينهم غير مرة حتى انبرم الصلح بينهم بعد أن حلف الملك المؤيد لنوروز بالأيمان المغلظة‏.‏

وكان الذي تولى تحليف الملك المؤيد كاتب سره القاضي ناصر الدين محمد بن البارزي‏.‏

حكى لي القاضي كمال الدين ابن القاضي ناصر الدين محمد بن البارزي كاتب السر الشريف من لفظه - رحمه الله - قال‏:‏ قال لي الوالد‏:‏ أخذت في تحليف الملك المؤيد بحضرة رسل الأمير نوروز والقضاة قد حضروا أيضًا فشرعت ألحن في اليمين عامدًا في عدة كلمات حتى خرج معنى اليمين عن مقصود نوروز فالتفت القاضي ناصر الدين محمد بن العديم الحنفي - وكان فيه خفة - وقال للقاضي الشافعي‏:‏ كأن القاضي ناصر الدين بن البارزي ليس له ممارسة بالعربية والنحو فإنه يلحن لحنًا فاحشًا فسكته البلقيني لوقته‏.‏

قلت‏:‏ وكان هذا اليمين بحضرة جماعة من فقهاء الترك من أصحاب نوروز فلم يفطن أحد منهم لذلك لعدم ممارستهم لهذه العلوم وإنما جل مقصود الواحد منهم أن يقرأ مقدمةً في الفقه ويحلها على شيخ من الفقهاء أهل الفروع فعند ذلك يقول‏:‏ أنا صرت فقيهًا‏!‏ وليته يسكت بعد ذلك ولكنه يعيب أيضًا على ما عدا الفقه من العلوم فهذا هو الجهل بعينه - انتهى‏.‏

ثم عادت رسل نوروز إليه بصورة الحلف فقرأه عليه بعض من عنده من الفقهاء من تلك المقولة وعرفه أن هذا اليمين ما بعده شيء فاطمأن لذلك‏.‏

ونزل من قلعة دمشق بمن معه من الأمراء والأعيان في يوم حادي عشرين ربيع الآخر بعد ما قاتل الملك المؤيد نحوًا من خمسة وعشرين يومًا أو أزيد ومشى حتى دخل على الملك المؤيد‏.‏

فلما رآه الملك المؤيد قام له فعند ذلك قبل نوروز الأرض وأراد أن يقبل يده فمنعه الملك المؤيد من ذلك‏.‏

وقعد الأمير نوروز بإزائه وتحته أصحابه من الأمراء وهم‏:‏ الأمير يشبك بن أزدمر وطوخ وقمش وبرسبغا وإينال الرجبي وغيرهم والمجلس مشحون بالأمراء والقضاة والعساكر السلطانية‏.‏

فقال القضاة‏:‏ والله هذا يوم مبارك بالصلح وبحقن الدماء بين المسلمين فقال القاضي ناصر الدين بن البارزي كاتب السر‏:‏ نهار مبارك لو تم ذلك فقال الملك المؤيد‏:‏ ولم لا يتم وقد حلفنا له وحلف لنا فقال القاضي ناصر الدين للقضاة‏:‏ يا قضاة هل صح يمين السلطان فقال قاضي القضاة جلال الدين البلقيني‏:‏ لا والله لم يصادف غرض المحلف‏.‏

فعند ذلك أمر الملك المؤيد بالقبض على الأمير نوروز ورفقته فقبض في الحال على الجميع وقيدوا وسجنوا بمكان من الإسطبل إلى أن قتل الأمير نوروز من ليلته وحملت رأسه إلى الديار المصرية على يد الأمير جرباش فوصلت القاهرة في يوم الخميس مستهل جمادى الأولى وعلقت على باب زويلة ودقت البشائر وزينت القاهرة لذلك‏.‏

ثم أخذ الملك المؤيد في إصلاح أمر مدينة دمشق ومهد أحوالها‏.‏

ثم خرج منها في ثامن جمادى الأولى يريد حلب حتى قدمها بعساكره وأقام بها إلى آخر الشهر المذكور‏.‏

ثم سار منها في أول جمادى الأخرة إلى أبلستين ودخل إلى ملطية واستناب بها الأمير كزل‏.‏

ثم عاد إلى حلب وخلع على نائبها الأمير إينال الصصلاني باستمراره‏.‏

ثم خلع على الأمير تنبك البجاسي باستقراره في نيابة حماة وعلى الأمير سودون من عبد الرحمن باستقراره في نيابة طرابلس وعلى الأمير جانبك الحمزاوي بنيابة قلعة الروم بعد ما قتل نائبها الأمير طوغان‏.‏

ثم خرج السلطان من حلب وعاد إلى دمشق فقدمها في ثالث شهر رجب وخلع على نائبها الأمير قاني باي المحمدي باستمراره‏.‏

ثم خرج السلطان من دمشق بأمرائه وعساكره في أول شعبان بعد ما مهد أمور البلاد الشامية ووطن التركمان والعربان وخلع عليهم وسار حتى دخل القدس في ثاني عشر شعبان فزاره‏.‏

ثم خرج منه وتوجه إلى غزة حتى قدمها وخلع على الأمير طرباي الطاهري بنيابة غزة‏.‏

ثم خرج منها عائدًا إلى الديار المصرية حتى نزل على خانقاه سرياقوس يوم الخميس رابع عشرين شعبان فأقام هناك بقية الشهر وعمل بها أوقاتًا طيبة وأنعم فيها على الفقهاء والصوفية بمال جزيل وكان يحضر السماع بنفسه وتقوم الصوفية تتراقص وتتواجد بين يديه والقوال يقول وهو يسمعه ويكرر منه ما يعجبه من الأشعار الرقيقة‏.‏

ودخل حمام الخانقاه المذكورة غير مرة‏.‏

وخرج الناس لتلقيه إلى خانقاه سرياقوس المذكورة حتى صار طريقها في تلك الأيام كالشارع الأعظم لممر الناس فيه ليلًا ونهارًا‏.‏

ودام السلطان هناك إلى يوم سلخ شعبان‏:‏ ركب من الخانقاه بخواصه وسار حتى نزل بالريدانية تجاه مسجد التبن وبات حتى أصبح في يوم الخميس أول شهر رمضان‏:‏ ركب وسار إلى القلعة حتى طلع إليها فكان لقدومه القاهرة يوم مشهود ودقت البشائر لوصوله‏.‏

وعندما استقر به الجلوس انتقض عليه ألم رجليه من ضربان المفاصل ولزم الفراش وانقطع بداخل الدور السلطانية من القلعة‏.‏

ثم أخرج السلطان في ثامن شهر رمضان الأمير جرباش كباشة بطالًا إلى القدس الشريف ورسم أيضًا بإخراج الأمير أرغون من بشبغا أمير آخور - كان - في الدولة الناصرية إلى القدس بطالًا‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير ألطنبغا العثماني باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية بعد موت الأمير يلبغا الناصري‏.‏

ثم نصل السلطان من مرضه وركب من قلعة الجبل يوم عاشر شهر رمضان وشق القاهرة ثم عاد إلى القلعة ورسم بهدم الزينة - وكان ركوبه لرؤيتها - فهدمت‏.‏

ثم في ثاني عشره أمسك الأمير قجق الشعباني حاجب الحجاب والأمير بيبغا المظفري والأمير تمان تمر أرق وقيدوا وحملوا إلى ثغر الإسكندرية فحبسوا بها والثلاثة جنسهم تتر وسفرهم الأمير صوماي الحسني‏.‏

وبعد أن توجه بهم صوماي المذكور إلى الإسكندرية كتب باستقراره في نيابتها وعزل بدر الدين بن محب الدين عنها‏.‏

ثم

 خلع السلطان على سودون القاضي باستقراره حاجب الحجاب بديار مصر

عوضًا عن قجق الشعباني وعلى الأمير قجقار القردمي باستقراره أمير مجلس عوضًا عن بيبغا المظفري وعلى الأمير جاني بك الصوفي رأس نوبة النوب استقراره أمير سلاح بعد موت شاهين الأفرم وخلع على الأمير كزل العجمي حاجب الحجاب - كان - في دولة الملك الناصر باستقراره أمير جاندار عوضًا عن الأمير جرباش كباشة ثم خلع على الأمير تنبك العلائي الظاهري المعروف بميق استقراره رأس نوبة النوب عوضًا عن جانبك الصوفي وخلع على الأمير آقباي المؤيدي الخازندار باستقراره دوادارًا كبيرًا بعد موت الأمير جانبك المؤيدي‏.‏

ثم أعيد ابن محب الدين المعزول عن نيابة الإسكندرية إلى وظيفة الأستادارية في يوم الاثنين سادس عشرين شهر رمضان بعد فرار فخر الدين عبد الغني بن أبي الفرج إلى بغداد‏.‏

وخبر فخر الدين المذكور أنه لما خرج من الديار المصرية إلى البلاد الشامية صحبة السلطان ووصل إلى حماة داخله الخوف من السلطان فهرب في أوائل شهر رجب إلى جهة بغداد فسد ناظر ديوان المفرد تقي الدين عبد الوهاب بن أبي شاكر الأستادارية في هذه المدة إلى أن ولي ابن وفي شهر رمضان المذكور أفرج السلطان عن الأمير كمشبغا العيساوي من سجن الإسكندرية وقدم القاهرة ونقل الأمير سودون الأسندمري والأمير قصروه من تمراز والأمير شاهين الزردكاش والأمير كمشبغا الفيسي إلى ثغر دمياط‏.‏

وفي أواخر ذي الحجة قدم مبشر الحاج وأخبر بأن الأمير جقمق الأرغون شاوي الدوادار الثاني أمير الحاج وقع بينه وبين أشراف مكة وقعة في خامس ذي الحجة‏.‏

وخبر ذلك أن جقمق المذكور ضرب أحد عبيد مكة وحبسه لكونه يحمل السلاح في الحرم الشريف وكان قد منع من ذلك فثارت بسبب ذلك فتنة انتهك فيها حرمة المسجد الحرام ودخلت الخيل إليه عليها المقاتلة من قواد مكة لحرب الأمير جقمق وأدخل جقمق أيضًا خيله إلى المسجد الحرام فباتت به تروث وأوقد مشاعله بالحرم وأمر بتسمير أبواب الحرم فسمرت كلها إلا ثلاثة أبواب ليمتنع من يأتيه‏.‏

فمشت الناس بينهم في الصلح وأطلق جقمق المضروب فسكتت الفتنة من الغد بعدما قتل جماعة ولم يحج أكثر أهل مكة في هذه السنة من الخوف‏.‏

ثم قدم الخبر أيضًا على الملك المؤيد في هذا الشهر بأن الأمير يغمور بن بهادر الدكري من أمراء التركمان مات هو وولده في يوم واحد بالطاعون في أول ذي القعدة وأن قرا يوسف بن قرا محمد صاحب العراق انعقد بينه وبين القان شاه رخ بن تيمورلنك صلح وتصاهرا فشق ذلك وفي أثناء ذلك قدم عليه الخبر بأن الأمير محمد بن عثمان صاحب الروم كانت بينه وبين محمد بك بن قرمان وقعة عظيمة انهزم فيها ابن قرمان ونجا بنفسه‏.‏

كل ذلك والسلطان في سرحة البحيرة بتروجة إلى أن قدم إلى الديار المصرية في يوم الخميس ثاني المحرم من سنة ثماني عشره وثمانمائة بعدما قرر على من قابله من مشايخ البحيرة أربعين ألف دينار وكانت مدة غيبة السلطان بالبحيرة ستين يومًا‏.‏

ثم في عاشر المحرم أفرج السلطان عن الأمير بيبغا المظفري أمير مجلس وتمان تمر أرق اليوسفي من سجن الإسكندرية‏.‏

ثم قد كتاب فخر الدين بن أبي الفرج من بغداد أنه مقيم من بالمدرسة المستنصرية وسأل العفو عنه فأجيب إلى ذلك وكتب له أمان‏.‏

ثم أمر السلطان بقتل الأمراء الذين بسجن الإسكندرية فقتلوا بأجمعهم في يوم السبت عشر المحرم وهم‏:‏ الأتابك دمرداش المحمدي بعد أن قتل ابن أخيه قرقماس بمدة والأمير طوغان الحسني الدوادار والأمير سودون تلي المحمدي والأمير أسنبغا الزردكاش والجميع معدودون من الملوك وأقيم عزاؤهم بالقاهرة يوم خامس عشرينه فكان ذلك اليوم من الأيام المهولة من مرور الجواري المسبيات الحاسرات بشوارع القاهرة ومعهم الملاهي والدفوف‏.‏

ثم في ثامن صفر ركب السلطان من قلعة الجبل وسار إلى نحو منية مطر المعروفة الآن بالمطرية خارج القاهرة وعاد إلى القاهرة من باب النصر ونزل بالمدرسة الناصرية المعروفة الآن بالجمالية برحبة باب العيد ثم ركب منها وعبر إلى بيت الأستادار بدر الدين بن محب الدين فأكل عنده السماط ومضى إلى قلعة الجبل‏.‏

وفي ثامن عشر صفر خلع على القاضي علاء الدين علي بن محمود بن أبي بكر بن مغلي الحنبلي الحموي باستقراره قاضي قضاة الحنابلة بالديار المصرية بعد عزل قاضي القضاة مجد الدين سالم‏.‏

وفي يوم السبت عاشر صفر المذكور ابتدأ السلطان بعمل السد بين الجامع الجديد الناصري وبين جزيرة الروضة وندب لحفره الأمير كزل العجمي الأجرود أمير جاندار فنزل كزل المذكور وعلق مائةً وخمسين رأسًا من البقر لتجرف الرمال وعملت أيامًا‏.‏

ثم ندب السلطان الأمير سودون القاضي حاجب الحجاب لهذا العمل فنزل هو أيضًا واهتم غاية الاهتمام ودام العمل بقية صفر وشهر ربيع الأول‏.‏

وفيه أمر السلطان بمسك شاهين الأيد كاري حاجب حلب فأمسك وسجن بقلعة حلب‏.‏

وفيه خلع السلطان على الأمير طوغان أمير آخور الملك المؤيد أيام إمرته باستقراره في نيابة وفيه قدم كتاب الأمير إينال الصصلاني نائب حلب يخبر أن أحمد بن رمضان أخذ مدينة طرطوس عنوة في ثالث عشر المحرم من هذه السنة بعد أن حاصرها سبعة أشهر وأنه سلمها إلى ابنه إبراهيم بعد ما نهبها وسبى أهلها‏.‏

وقد كانت طرسوس من نحو اثنتي عشرة سنة يخطب بها لتيمور فأعاد ابن رمضان الخطبة بها باسم السلطان‏.‏

وأما الحفير فإنه مستمر وسودون القاضي يستحث‏.‏

العمال فيه إلى أن كان أول شهر ربيع الآخر فركب السلطان الملك المؤيد من قلعة الجبل في أمرائه وسائر خواصه وسار إلى حيث العمل فنزل هناك في خيمة نصبت له بين الروضة ومصر‏.‏

ونودي بخروج الناس للعمل في الحفير المذكور وكتبت حوانيت الأسواق فخرج الناس طوائف طوائف مع كل طائفة الطبول والزمور وأقبلوا إلى العمل ونقلوا التراب والرمل من غير أن يكلف أحد منهم فوق طاقته‏.‏

ثم رسم السلطان لجميع العساكر من الأمراء والخاصكية ولجميع أرباب الدولة وأتباعهم فعملوا‏.‏

ثم ركب السلطان بعد عصر اليوم المذكور ووقف حتى فرض على كل من الأمراء حفر قطعة عينها له ثم عاد إلى القلعة بعد أن مد هناك أسمطة جليلة وحلوات وفواكه كثيرة‏.‏

واستمر العمل والنداء في كل يوم لأهل الأسواق وغيرهم للعمل في الحفر‏.‏

ثم ركب الأمير ألطنبغا القرمشي الأمير آخور الكبير ومعه جميع مماليكه وعامة أهل الإسطبل السلطاني وصوفية المدرسة الظاهرية البرقوقية وأرباب وظائفها لكونهم تحت نظره ومضوا بأجمعهم إلى العمل في الحفر المذكور فعملوا فيه وقد اجتمع هناك خلائق لا تحصى للفرجة من الرجال والنساء والصبيان‏.‏

وتولى ألطنبغا القرمشي القيام بما فرض عليه حفره بنفسه فدام في العمل طول نهاره‏.‏

ثم في عاشره جمع الأمير الكبير ألطنبغا العثماني جميع مماليكه ومن يلوذ به وألزم كل من هو ساكن في البيوت والدكاكين الجارية في وقف البيمارستان المنصوري بأن يخرجوا معه - من أنهم تحت نظره - وأخرج معه أيضًا جميع أرباب وظائف البيمارستان المذكور ثم أخرج سكان جزيرة الفيل - فإنها في وقف البيمارستان - وتوجه بهم الجميع إلى العمل في الحفير وعمل نهاره فيما فرض عليه حفره‏.‏

ثم وقع ذلك لجميع الأمراء واحدًا بعد واحد وتتابعوا في العمل وكل أمير يأخذ معه جميع جيرانه ومن يقرب سكنه من داره فلم يبق أحد من العوام إلا وخرج لهذا العمل‏.‏

ثم خرج علم الدين داود بن الكويز ناظر الجيش والصاحب بحر الدين حسن بن نصر الله ناظر الخاص وبدر الدين حسن بن محب الدين الأستادار ومع كل منهم طائفة من أهل القاهرة وجميع غلمانه وأتباعه ومن يلوذ به وينتسب إليه‏.‏

ثم أخرج والي القاهرة جميع اليهود والنصارى‏.‏

وكثر النداء في كل يوم بالقاهرة على أصناف الناس بخروجهم للعمل‏.‏

ثم خرج القاضي ناصر الدين محمد بن البارزي كاتب السر الشريف ومعه جميع مماليكه وحواشيه وغلمانه وأخرج معه البريدية والموقعين بأتباعهم فعملوا نهارهم‏.‏

هذا والمنادي ينادي في كل يوم على العامة بالعمل فخرجوا وخلت أسواق القاهرة وظواهرها من الباعة وغلقت القياسر والمنادي ينادي في كل يوم بالتهديد لمن تأخر عن الحفر حتى إنه نودي في بعض الأيام‏:‏ من فتح دكانًا شنق فتوقفت أحوال الناس‏.‏

وفي هذه الأيام خلع السلطان على الأمير بيبغا المظفري باستقراره أتابك دمشق وخلع على جرباش كباشة باستقراره حاجب حجاب حلب وكلاهما كان قدم من سجن الإسكندرية قبل تاريخه‏.‏

وفيه أيضًا نقل الأمير طوغان أمير آخور المؤيد من نيابة صفد إلى حجوبية دمشق عوضًا عن الأمير خليل التبريزي الدشاري ونقل خليل المذكور إلى نيابة صفد عوضًا عن طوغان المذكور وحمل له التقليد والتشريف الأمير إينال الشيخي الأرغزي‏.‏

واستهل جمادى الأولى والناس في جهد وبلاء من العمل في الحفر حتى إن المقام الصارمي إبراهيم ابن السلطان الملك المؤيد نزل من القلعة في يوم سابعه ومعه جميع مماليكه وحواشيه وأتباعه وتوجه حتى عمل في الحفر بنفسه وصنفت العامة في هذا الحفير غناء كثيرًا وعدق وبينما الناس في العمل أدركتهم زيادة النيل‏.‏

وكان هذا الحفير وعمل الجسم ليمنع الماء من المرور تحت الجزيرة الوسطى ويجري من تحت المنشية من على موردة الجبس بحري جزيرة الوسطى كما كان قديمًا في الزمان الماضي فأبى الله سبحانه وتعالى إلا ما أراده على ما سنذكره في محله‏.‏

ثم في اليوم المذكور أعنى سابع جمادى الأولى خلع السلطان على الأمير الكبير ألطنبغا العثماني باستقراره في نيابة دمشق عوضًا عن قاني باي المحمدي - وكان بلغ السلطان عن جميع النواب بالبلاد الشامية أنهم في عزم الخروج عن الطاعة فلم يظهر لذلك أثر - وأرسل الأمير جلبان أمير آخور بطلب قاني باي المذكور من دمشق ليستقر أتابكًا بالديار المصرية عوضًا عن ألطنبغا العثماني وانتظر السلطان ما يأتي به الجواب‏.‏

ثم خلع السلطان على الأمير آقبردي المؤيدي المنقار باستقراره في نيابة الإسكندرية عوضًا عن صوماي الحسني‏.‏

ثم في جمادى الآخرة من هذه السنة حفر أساس الجامع المؤيدي داخل باب زويلة‏.‏

وكان أصل موضع الجامع المذكور - أعني موضع باب الجامع والشبابيك وموضع المحراب - قيسارية الأمير سنقر الأشقر المقدم ذكره في ترجمة الملك المنصور قلاوون وكانت مقابلة لقيسارية الفاضل وحمامه فاستبدلها الملك المؤيد وأخذ ثم أخذ خزانة شمائل ودورًا وحارات وقاعات‏.‏

كثيرة تخرج عن الحد حتى أضر ذلك بحال جماعة كثيرة وشرع في هدم الجميع من شهر ربيع الأول إلى يوم تاريخه حتى رمي الأساس وشرعوا في بنائها‏.‏

وتهيأ الأمير ألطنبغا العثماني حتى خرج من القاهرة قاصدًا محل كفالته بدمشق في سادس جمادى الآخرة ونزل بالريدانية خارج القاهرة فقدم الخبر على السلطان بخروج قاني باي نائب الشام عن الطاعة وأنه سوف برسول السلطان من يوم إلى يوم إلى أن تهيأ وركب وقاتل أمراء دمشق وهزمهم إلى صفد وملك دمشق - حسبما نذكره بعد ذكر عصيان النواب - فعظم ذلك على الملك المؤيد‏.‏

ثم في أثناء ذلك ورد الخبر بخروج الأمير طرباي نائب غزة عن الطاعة وتوجهه إلى الأمير قاني باي المحمدي نائب دمشق فعند ذلك ندب السلطان الأمير يشبك المؤيدي المشد ومعه مائة مملوك من المماليك السلطانية وبعثه نجدة للأمير ألطنبغا العثماني‏.‏

ثم ورد الخبر ثالثًا بعصيان الأمير تنبك البجاسي نائب حماة وموافقته لقاني باي المذكور وكذلك الأمير إينال الصصلاني نائب حلب ومعه جماعة من أعيان أمراء حلب‏.‏

ثم ورد الخبر أيضًا بعصيان الأمير سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس والأمير جانبك الحمزاوي نائب قلعة الروم‏.‏

ولما بلغ الملك المؤيد هذا الخبر وأما أمر الحفر والجسر الذي عمل فإنه لما قويت زيادة النيل وتراكمت عليه الأمواج خرق منه جانبًا ثم أتى على جميعه وأخذه كأنه لم يكن وراح تعب الناس وما فعلوه من غير طائل‏.‏

وأما ما وعدنا بذكره من أمر قاني باي المحمدي نائب دمشق‏:‏ فإنه لما توجه إليه الأمير جلبان أمير آخور بطلبه أظهر الامتثال وأخذ ينقل حريمه إلى بيت أستاداره غرس الدين خليل ثم طلع بنفسه إلى البيت المذكور وهو بطرف القبيبات على أنه متوجه إلى مصر‏.‏

فلما كان في سادس جمادى الآخرة ركب الأمير بيبغا المظفري أتابك دمشق وناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك وجلبان الأمير آخور المقدم ذكره وأرغون شاه ويشبك الأيتمشي في جماعة أخر من أمراء دمشق يسيرون بسوق خيل دمشق فبلغهم أن يلبغا كماج كاشف القبلية حضر في عسكر إلى قريب داريا وأن خلفه من جماعته طائفة كبيرة وأن قاني باي خرج إليه وتحالفا على العصيان ثم عاد قاني باي إلى بيت غرس الدين المذكور‏.‏

فاستعد مذكورون ولبسوا آلة الحرب ونادوا لأجناد دمشق وأمرائها بالحضور وزحفوا إلى نحو - قاني باي‏.‏

فخرج إليهم قاني باي بمماليكه وبمن انضم معه من أصاغر الأمراء وقاتلهم من بكرة النهار إلى العصر حتى هزمهم ومروا على وجوههم إلى جهة صفد‏.‏

ودخل قاني باي وملك مدينة دمشق ونزل بدار العدل من باب جابية ورمى على القلعة بالمدافع وأحرق جملون دار السعادة فرماه أيضًا من القلعة بالمناجيق والمدافع فانتقل إلى خان السلطان وبات بمخيمه وهو يحاصر القلعة‏.‏

ثم أتاه النواب المقدم ذكرهم فنزل تنبك البجاسي نائب حماة على باب الفرج ونزل طرباي نائب غزة على باب آخر ونزل على باب جديد تنبك دوادار قاني باي وداموا على ذلك مدة وهم يستعدون‏.‏

وقد ترك قاني باي أمر القلعة إلى أن بلغه وصول العسكر وسار هو والأمراء من دمشق‏.‏

وكان الأمير ألطنبغا العثماني بمن معه من أمراء دمشق والعشير والعربان نائب صفد قد توجه من بلاد المرج إلى جرود فجد العسكر في السير حتى وافوا الأمير قاني باي قد رحل من برزة فنزلوا هم على برزة وتقدم منهم طائفة فأخذوا من ساقته أغنامًا وغيرها وتقاتلوا مع أطراف قاني باي فجرح الأمير أحمد بن تنم صهر الملك المؤيد في يده بنشابة أصابته وجرح معه جماعة أخر ثم عادوا إلى ألطنبغا العثماني‏.‏

وسار قاني باي حتى نزل بسلمية في سلخه ثم رحل إلى حماة ثم رحل منها واجتمع بالأمير إينال الصصلاني نائب حلب واتفقوا جميعًا على التوجه إلى جهة العمق لما بلغهم قدوم السلطان الملك المؤيد لقتالهم‏.‏

وسيروا أثقالهم فنادى نائب قلعة حلب بالنفير العام فأتاه جل أهل حلب ونزل هو بمن عنده من العسكر الحلبي وقاتل إينال وعساكره فلم يثبتوا وخرج قاني باي وإينال إلى خان طومان وتخطف العامة بعض أثقالهم وأما السلطان الملك المؤيد فإنه لما كان ثاني عشرين جمادى الآخرة خلع على الأمير مشترك القاسمي الظاهري باستقراره في نيابة غزة عوضًا عن طرباي‏.‏

ثم في سابع عشرينه خلع على الأمير ألطنبغا القرمشي الأمير آخور باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضًا عن ألطنبغا العثماني نائب دمشق‏.‏

ثم في سلخه خلع على الأمير تنبك العلائي الظاهري المعروف بميق رأس نوبة النوب باستقراره أمير آخور عوضًا عن ألطنبغا القرمشي‏.‏

ثم في رابع شهر رجب خلع السلطان على سودون القاضي حاجب الحجاب باستقراره رأس نوبة النوب عوضًا عن تنبك ميق وخلع على سودون قراصقل واستقر حاجب الحجاب عوضًا عن سودون القاضي‏.‏

وفي حادي عشرة سار الأمير آقباي المؤيدي الدوادار على مائتي مملوك نجدةً ثانية لنائب الشام ألطنبغا العثماني‏.‏

وفي ذلك اليوم دار المحمل على العادة في كل سنة‏.‏

ثم في يوم ثاني عشر شهر رجب المذكور قدم الأمير ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك من دمشق فارًا من قاني باي نائب الشام فارتجت القاهرة بسفر السلطان إلى البلاد الشامية ثم في رابع عشرة أمسك السلطان الأمير جانبك الصوفي أمير سلاح وقيده وسجنه بالبرج بقلعة الجبل‏.‏

ثم رسم السلطان للأمراء بالتأهب للسفر وأخذ في عرض المماليك السلطانية وتعيين من يختاره للسفر فعين من المماليك السلطانية مقدار النصف منهم فإنه أراد السفر مخفًا لأن الوقت كان فصل الشتاء والديار المصرية مغلية الأسعار إلى الغاية‏.‏

ثم في ثامن عشره أنفق السلطان نفقات السفر وأعطى كل مملوك ثلاثين دينارًا إفرنتية وتسعين نصفًا فضة مؤيدية وفرق عليهم الجمال‏.‏

ثم في تاسع عشره أمسك السلطان الوزير تاج الدين عبد الرزاق بن الهيصم وضربه بالمقارع وأحيط بحاشيته وأتباعه وألزمه بحمل مال كثير‏.‏

ثم في حادي عشرينه خلع السلطان على علم الدين أبي كم باستقراره في وظيفة نظر الدولة ليسد مهمات الدولة مدة غيبة السلطان ثم في يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب المذكور ركب السلطان بعد صلاة الجمعة من قلعة الجبل بأمرائه وعساكره المعينين صحبته للسفر حتى نزل بمخيمه بالريدانية خارج القاهرة وخلع على الأمير ططر واستقر به نائب الغيبة بديار مصر وأنزله بباب السلسلة وخلع على الأمير سودون قراصقل حاجب الحجاب وجعله مقيمًا بالقاهرة للحكم بين الناس وخلع على الأمير قطلوبغا التنمي وأنزله بقلعة الجبل‏.‏

وبات السلطان تلك الليلة بالريدانية وسافر من الغد يريد البلاد الشامية ومعه الخليفة وقاضي القضاة ناصر الدين محمد بن العديم الحنفي لا غير‏.‏

وسار السلطان حتى وصل إلى غزة في تاسع عشرين شهر رجب المذكور وسار منها في نهاره‏.‏

وكان قد خرج الأمير قاني باي من دمشق في سابع عشرينه حسبما ذكرناه ودخل الأمير ألطنبغا العثماني إلى دمشق في ثاني شعبان وقرئ تقليده وكان لدخوله دمشق يومًا مشهودًا‏.‏

وسار السلطان مجدًا من غزة حتى دخل دمشق في يوم الجمعة سادس شعبان ثم خرج من دمشق بعد يومين في أثر القوم وقدم بين يديه الأمير آقباي الدوادار في عسكر من الأمراء وغيرهم كالجاليش فسار آقباي المذكور أمام السلطان والسلطان خلفه إلى أن وصل آقباي قريبًا من تل السلطان ونزل السلطان على سرمين وقد أجهدهم التعب من قوة السير وشدة البرد‏.‏

فلما بلغ قاني باي وإينال الصصلاني وغيرهما من الأمراء مجيء آقباي خرجوا إليه بمن معهم من العساكر ولقوا آقباي بمن معه من الأمراء والعساكر وقاتلوه فثبت لهم ساعة ثم انهزم أقبح هزيمة وقبضوا عليه وعلى الأمير برسباي الدقماقي - أعني الملك الأشرف الآتي ذكره - وعلى الأمير طوغان دوادار الوالد وهو أحد مقدمي الألوف بدمشق وعلى جماعة كبيرة وتمزقت عساكرهم وانتهبت‏.‏

وأتى خبر كسرة الأمير آقباي للسلطان فتخوف وهم بالرجوع إلى دمشق وجبن عن ملاقاتهم لقلة عساكره حتى شجعه بعض الأمراء أرباب الدولة وهونوا عليه أمر القوم فركب بعساكره من سرمين وأدركهم وقد استفحل أمرهم فعندما سمعوا بمجيء السلطان انهزموا ولم يثبتوا وولوا الأدبار غير قتال خذلانًا من الله تعالى لأمر سبق‏.‏

فعند ذلك اقتحم السلطانية عساكر قاني باي وقبض على الأمير إينال الصصلاني نائب حلب وعلى الأمير تمان تمر اليوسفي المعروف بأرق أتابك حلب وعلى الأمير جرباش كباشة حاجب حجاب حلب وفر قاني باي واختفى‏.‏

أما سودون من عبد الرحمن نائب طرابلس وتنبك البجاسي نائب حماة طرباي نائب غزة وجانبك الحمزاوي نائب قلعة الروم والأمير موسى الكركري أتابك طرابلس وغيرهم فقد ساروا على حمية إلى جهة الشرق قاصدين قرا يوسف صاحب بغداد وتبريز‏.‏

ثم ركب الملك المؤيد ودخل إلى حلب في يوم الخميس رابع عشر شهر رجب وظفر بقاني باي في اليوم الثالث من الوقعة فقيده ثم طلبهم الجميع فلما مثلوا بين يدي السلطان قال لهم السلطان‏:‏ قد وقع ما وقع‏!‏ فالآن أصدقوني‏:‏ من كان اتفق معكم من الأمراء فشرع قاني باي يعد جماعةً فنهره إينال الصصلاني وقال‏:‏ يكذب يا مولانا السلطان‏!‏ أنا أكبر أصحابه فلم يذكر لي واحدًا من هؤلاء في مدة هذه الأيام وكان يمكنه أنه يكذب علي وعلى غيري بأن له جماعة من المصريين ليقوي بذلك قلوب أصحابه فلم يذكر لنا شيئًا من ذلك فكل ما قاله في حق الأمراء زور وبهتان‏.‏

ثم التفت إينال إلى قاني باي وقال له‏:‏ بتنميق كذبك تريد تخلص من سيف هذا‏!‏ هيهات‏!‏ ليس هذا ممن يعفو عن الذنب‏.‏

ثم تكلم إينال المذكور بكلام طويل مع السلطان معناه أننا خرجنا عليك نريد قتلك فافعل الآن ما بدا لك‏.‏

فعند ذلك أمر بهم الملك المؤيد فردوا إلى أماكنهم وقتلوا - من يومهم - الأربعة‏:‏ قاني باي وإينال وتمان تمر أرق وجرباش كباشه وحملت رؤوسهم إلى الديار المصرية على يد الأمير يشبك شاد الشرابخاناه فرفعوا على الرماح ونودي عليهم بالقاهرة‏:‏ هذا جزاء من خامر على السلطان وأطاع الشيطان وعصى الرحمن‏.‏

ثم علقوا على باب زويلة أيامًا ثم حملوا إلى الإسكندرية فطيف بهم أيضًا هناك ثم أعيدت الرؤوس إلى القاهرة وسلمت إلى أهاليها‏.‏